ربع الإناث العراقيات غير متصلات بالإنترنت!

فاطمة نعمة،

يعجز نحو ربع النساء في العراق عن الوصول إلى الإنترنت واستخدام التكنولوجيا اللازمة للوصول إلى المعلومات رقميا. وذلك لأسباب عدّة منها اجتماعية واقتصادية وثقافية. تشير البيانات الصادرة من وزارة التخطيط إلى وجود فجوة في استخدام الإنترنت، بين الإناث والذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 60 عامًا، بنسبة 14% لصالح الذكور، حيث تصل النسبة بين الذكور إلى 91% في حين تبلغ النسبة بين النساء 77%.

يقول الأستاذ أوس السعدي، مؤسس ورئيس منصة التقنية من أجل السلام، المنصة الرائدة في العراق في مجال كشف التضليل الإلكتروني والأخبار الكاذبة: “تظهر بوضوح بعض المحافظات في العراق تقييدات مرتبطة بالعادات والتقاليد السائدة في تلك المناطق، حيث لا تستخدم النساء فيها وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير، ولا يعتمدن على الإنترنت عمومًا. وفي سياق يتعلق بالتكنولوجيا، يعاني العديد من النساء في المناطق الريفية من عدم امتلاك هواتف ذكية، وفي بعض الحالات، يواجهن محدوديات في استخدام الإنترنت. ويضيف أن الكثير من النساء في المناطق الشعبية يلجأن إلى إنشاء حسابات بأسماء وهمية أو أسماء رجال، وذلك لتجنب التحرش الإلكتروني، الابتزاز، أو حتى التعرض للمحتوى الضار الذي قد يسبب مشاكل عائلية.”

الفجوة تكبر بزيادة العمر

في الفئة العمرية 20-29 عامًا يظهر الذكور والإناث معدلات استخدام عالية نسبيًا للإنترنت، حيث تبلغ 96% للذكور و 85% للإناث. ورغم وجود فجوة بين الجنسين، فإن المشاركة العامة في هذه الفئة العمرية واضحة. وبالانتقال إلى الفئة العمرية 30-39، تنخفض نسب استخدام الإنترنت بشكل طفيف لكلا الجنسين، حيث تبلغ 93% للذكور و82% للإناث. وفي الفئة العمرية 40-49، لا تزال الفجوة بين الجنسين قائمة، حيث يستخدم 89% من الذكور الإنترنت مقابل 76% من الإناث. في حسن تشهد الفئة العمرية 50-59 عاما انخفاضا إضافيًا في نسب استخدام الإنترنت، حيث بلغت 83% للذكور و64% للإناث.

يقدم المسح الصادرة من وزارة التخطيط حول أنماط استخدام الإنترنت بين الجنسين والفئات العمرية في العراق نظرة شاملة على المشهد الرقمي في البلاد. على الرغم من أن هناك تفاوتًا بين نسب استخدام الإنترنت بين الجنسين، إلا أنه يظهر وجود مشاركة رقمية واسعة النطاق في جميع الفئات العمرية. يتبين أن الفئة العمرية 20-29 عامًا تشهد أعلى معدلات استخدام للإنترنت بين الجنسين، مما يشير إلى اتساع نطاق الوصول للتكنولوجيا في هذه الفئة العمرية. مع ذلك، يظهر وجود فجوة بين الجنسين في بعض الفئات العمرية، حيث تتقلص نسبة استخدام الإنترنت للإناث بشكل ملحوظ في بعض الفئات العمرية الأكبر سنًا هذا يشير إلى ضرورة التركيز على تحقيق المساواة في النفاذ إلى التكنولوجيا للجنسين وضمان توفير فرص متساوية للاستفادة من المزايا التي تقدمها تكنولوجيا المعلومات.

أسباب الفوارق بين الجنسين في استخدام الإنترنت

مؤسس المعهد العراقي لتعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان، ضفاف الجراح، ترى ان “هناك عدة عقبات تواجه الإناث في استخدام الانترنت، ولعل أهمها القيود والتقاليد الاجتماعية التي تمنعهم من استخدام الانترنت بحرية مقارنة بالذكور”.

يكشف مسح استخدام تكنولوجيا المعلومات العديد من الأسباب التي تحد من استخدام الانترنت، كما تظهر التفاوت بين الذكور والإناث في تأثير هذه الأسباب، ومن أبرزها عدم معرفة كيفية استخدام الانترنت وعدم اهتمام الأفراد بالانترنت واعتقادهم غير مفيد ولا داعي لاستخدامه.

عدم معرفة كيفية استخدام الإنترنت

يمثل نقص المعرفة حول كيفية استخدام الإنترنت أبرز العقبات التي تواجه كلا الجنسين، لكنها تواجه الإناث بنسب أعلى من الذكور في جميع الفئات العمرية. وهذا يؤكد أهمية مبادرات التثقيف الرقمي المستهدفة، خاصة للإناث الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 60 عاما، حيث يصل الرقم التراكمي إلى 62% من الإناث.

تؤكد الجراح على وجود “نقص المهارات الرقمية وعدم معرفتهن الكاملة قد يسبب لهن مشاكل وأيضا عدم الاستفادة من الانترنت ، وهذا يقود الى التهديدات الأمنية والابتزاز الالكتروني الذي قد يدفعهن الى عدم استخدام الانترنت بشكل نشط ومستمر”.

لا حاجة، ليست مفيدة، ليست مثيرة للاهتمام

وكذلك من أبرز الأسباب التي تقلل من استخدام الإنترنت بين الجنسين، ولكن بين الإناث بدرجة أعلى، الاعتقاد بأنه “لا داعي”، أو “غير مفيد”، أو “ليست مثيرة للاهتمام بالنسبة لي”. وتبلغ الأرقام التراكمية للأعمار من 20 إلى 60 عامًا 53% للإناث و54% للذكور.

ارتفاع تكلفة خدمة الإنترنت

تلعب الاعتبارات الاقتصادية دورًا، حيث تشير نسبة كبيرة من كلا الجنسين إلى ارتفاع تكلفة خدمة الإنترنت كرادع. ويظهر الذكور نسبا أعلى قليلا في هذه الفئة، مما يؤكد الحاجة إلى معالجة المخاوف المتعلقة بالقدرة على تحمل التكاليف. الأرقام التراكمية للأعمار من 20 إلى 60 هي 21% للإناث و27% للذكور

المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن

تظهر المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمن كعائق كبير، خاصة بالنسبة للإناث. وفي حين يعبر الذكور عن نسب مئوية أقل في هذه الفئة، فإن الفجوة بين الجنسين واضحة. الأرقام التراكمية للأعمار من 20 إلى 60 هي 7% للإناث و3% للذكور

عدم توفر خدمة الإنترنت

ويشكل عدم توفر خدمة الإنترنت في بعض المناطق تحديات، حيث يبلغ الذكور عن نسب أعلى في هذه الفئة. الأرقام التراكمية للأعمار من 20 إلى 60 هي 1% للإناث و4% للذكور.

وتلفت الجراح إلى أنه في بعض المناطق الجنوبية والريفية تحديدا، يوجد “ضعف وصول خدمات الانترنت لبعض المناطق والذي يعيق قدرة الاناث للوصول الى الانترنت مقارنة بالذكور الذين يمكنهم التحرك والتنقل بسهولة والذهاب الى مراكز تزويد خدمة الانترنت”.

الأسباب الثقافية

تؤثر الأسباب الثقافية، بما في ذلك التعرض للمحتوى الضار، على كلا الجنسين. تعبر الإناث باستمرار عن نسب أعلى في هذه الفئة. الأرقام التراكمية للأعمار من 20 إلى 60 هي 9% للإناث و5% للذكور

قيود استخدام الإنترنت

ومن الجدير بالذكر أن نسبة من المشاركين ذكروا أن استخدام الإنترنت غير مسموح به. تسجل الإناث نسبًا أعلى في هذه الفئة في جميع الفئات العمرية. الأرقام التراكمية للأعمار من 20 إلى 60 هي 7% للإناث و2% للذكور.

قلة المحتوى المحلي وأسباب أخرى

وفي حين أن الافتقار إلى المحتوى المحلي وأسباب متنوعة أخرى تساهم في ظهور الحواجز، فإن النسب المئوية منخفضة نسبيًا تعبر الإناث عمومًا عن نسب أعلى قليلًا في هذه الفئات

وسائل استخدام الانترنت: الفجوة تزيد في الهواتف الذكية وتقل في الحواسيب

تظهر بيانات مسح استخدام تكنولوجيا المعلومات في العراق فجوة واضحة بين الجنسين في استخدام الهواتف الذكية والحواسيب. وتكشف البيانات أن نسبة كبيرة من الذكور والإناث في العراق يمتلكون هواتف ذكية. لكن هناك تباين في نسبة ملكية الهواتف الذكية بين الذكور والإناث، حيث يمتلك 97% من الذكور هواتف ذكية بينما تبلغ نسبة ملكية الهواتف الذكية للإناث 86%. يشير هذا التفاوت إلى وجود فجوة بين الجنسين في الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات، مما يستدعي النظر في سبل تعزيز المساواة بين الجنسين في هذا السياق وتشجيع المشاركة النسائية في استخدام والتفاعل مع التكنولوجيا المتقدمة.

لا تأثير للفئة العمرية

عبر مختلف الفئات العمرية، يظهر الذكور باستمرار نسبًا أعلى لملكية الهواتف الذكية مقارنة بالإناث. ولوحظ الاختلاف الأكثر وضوحًا في الفئة العمرية 30-39 عامًا، حيث يمتلك 98% من الذكور هواتف ذكية، بينما تتخلف الإناث قليلاً بنسبة 87٪ فقط

وفي الفئة العمرية 40-49، تضيق الفجوة، لكن لا يزال هناك تفاوت حيث أن 97% من الذكور يمتلكون هواتف ذكية مقابل 88% من الإناث. ومن المثير للاهتمام أنه في الفئة العمرية 50-59، تتسع الفجوة بين الجنسين مرة أخرى، حيث يمتلك 97% من الذكور هواتف ذكية مقابل 84% من الإناث

التحديات في الفئة العمرية 20-29

في حين أن إجمالي ملكية الهواتف الذكية في هذه الفئة العمرية مرتفع، إلا أنه لا تزال هناك فجوة ملحوظة بين الجنسين. ويتمتع الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و29 عاماً بمعدل ملكية مرتفع يصل إلى 97%، في حين تتأخر الإناث في نفس الفئة العمرية بنسبة 85% فقط

تشير هذه النتيجة إلى التحديات أو العوائق المحتملة التي تواجهها الإناث في الوصول إلى تكنولوجيا الهواتف الذكية واعتمادها مقارنة بنظرائهم من الذكور .

تؤكد البيانات الاتجاه الإيجابي العام في ملكية الهواتف الذكية في جميع أنحاء العراق، مما يسلط الضوء على التكامل الواسع النطاق لتكنولوجيا المعلومات في حياة الناس. ومع ذلك، فإنه يلفت الانتباه أيضًا إلى الفوارق بين الجنسين التي لا تزال قائمة، خاصة بين الفئات العمرية الأصغر سنًا

فجوة  أقل في استخدام الكمبيوتر

تشير البيانات الصادرة من الجهاز المركزي للأحصاء إلى أنه على الرغم من وجود فجوة ملحوظة بين الجنسين في استخدام الكمبيوتر، فإن غالبية الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 20 إلى 60 عامًا في العراق يستخدمون أجهزة الكمبيوتر. ويبلغ إجمالي استخدام الكمبيوتر لهذه الفئة العمرية 64%، حيث أظهر الذكور معدل استخدام أعلى 64% مقارنة بالإناث 56% فقط

الفجوة تكبر مع الزيادة في العمر

في الفئة العمرية 20-29 عاما، يظهر كل من الذكور والإناث معدل استخدام مماثل نسبيا للكمبيوتر، حيث يصل إلى 53% للذكور و52.65% للإناث. وعلى الرغم من هذا التقارب، تشير البيانات إلى أنه لا يزال هناك مجال للتحسين في تشجيع استخدام الكمبيوتر بين الشباب وتظهر الفئة العمرية 30-39 فجوة أكبر بين الجنسين، حيث يستخدم 62% من الذكور أجهزة الكمبيوتر مقابل 51% من الإناث. يسلط هذا التناقض الضوء على التحديات أو الفرص المحتملة للتدخلات المستهدفة لتعزيز معرفة القراءة والكتابة بالكمبيوتر بين الإناث في الثلاثينيات من العمر

ومن الجدير بالذكر أن الفئة العمرية 40-49 تظهر تفاوتًا كبيرًا بين الجنسين، حيث يستخدم 73% من الذكور أجهزة الكمبيوتر مقابل 35% من الإناث. تشير هذه النتيجة إلى الحاجة الماسة لمبادرات تتناول محو الأمية الحاسوبية والرقمية وإمكانية الوصول إليها للإناث في هذه الفئة العمرية. وفي الفئة العمرية 50-59، لا تزال الفجوة بين الجنسين قائمة، حيث يستخدم 68% من الذكور أجهزة الكمبيوتر مقابل 38% من الإناث. ويمكن أن تركز الجهود المبذولة لسد هذه الفجوة على جعل تكنولوجيات الكمبيوتر أكثر سهولة وأكثر ملاءمة للإناث الأكبر سنا

تعتقد الجراح ان السبب في هذا يعود إلى “أن الهواتف المحمولة توفر وصولاً أسهل واسرع إلى الانترنت في أي مكان وزمان وهذا يجعلها أداة قوية للاتصال والوصول إلى المعلومات مقارنة بالحاسوب الذي يكون عادة أكثر تعقيدا ، إضافة الى ان أسعار الهواتف المحمولة اقل مقارنة بأجهزة الكمبيوتر ، كما ان الهواتف عادة تستخدم للتواصل الاجتماعي وتصفح الانترنت بينما أجهزة الكمبيوتر تستخدم للبرامج الأكثر تعقيدا.”.

تبرز هذه البيانات مع الأسباب فجوات بين الجنسين، خاصة ضمن استخدام الإنترنت في العراق فهي أكثر وضوحًا مقارنة بالفوارق في ملكية الهواتف الذكية، وبالتالي ملكية الكمبيوتر المحتملة. وتسلط الأرقام التراكمية للأعمار من 20 إلى 60 عاما الضوء على هذا التمييز بشكل واضح، حيث تستخدم 76.74% من الإناث الإنترنت مقابل 90.56% من الذكور. وفي المقابل، فإن الفجوة في ملكية الهواتف الذكية أضيق بشكل ملحوظ، حيث تبلغ 85.88% للإناث و97.18% للذكور، وهو ما يعكس اختلافًا قدره 11.3 نقطة مئوية.

بالإضافة إلى ذلك، تظهر المخاوف المتعلقة بالخصوصية والأمان كحاجز رئيسي يؤثر بشكل كبير على الإناث، حيث تبلغ النسبة التراكمية لهذه الفئة 7%، بينما تكون النسبة للذكور 3%. هذا يشير إلى أهمية توجيه جهود التثقيف الرقمي بشكل خاص نحو الإناث في هذه الفئة العمرية، بغرض تقليل هذه الفجوات وتعزيز المساواة في الوصول إلى تكنولوجيا المعلومات بين الجنسين.

وترى الجراح أن بعض الحلول لتقليل هذه الفجوة تكمن في ” توفير دورات تدريبية رقمية للنساء لتعزيز المهارات الرقمية الأساسية والتفاعل الفعال مع التكنولوجيا ، كذلك يمكن إطلاق حملات توعية تستهدف النساء لفهم فوائد استخدام التكنولوجيا والذي سينعكس بشكل إيجابي على ممارساتهم اليومية” حيث ترى الجراح أن هذا  الامر سينعكس في تطوير النساء في مجالات التعليم او العمل إضافة الى التواصل الاجتماعي. وتقول انه لا بد كذلك من التواصل بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني “ان التعاون بين هذه الجهات يمكن أن يساهم في تحديد الاحتياجات وتطوير برامج ومبادرات تعزز المساواة في استخدام التكنولوجيا”.

تذكر الجراح وجود العديد من البرامج التي تقوم بها الدول خارج العراق وهناك تجارب غنية بهذا الموضوع ، لكن في العراق ترى ان هناك مؤسسات هي ايضا معنية بهذه المشاريع وقدمت العديد من المعلومات والتدريبات مثل “مؤسسة التقنية من اجل السلام وكذلك شبكة انسم ، ونحن كمؤسسة (المعهد العراقي) عملنا منذ 2017 حول تمكين النساء العائدات للمناطق المحررة حول كيفية استخدام الهواتف الذكية وكذلك التطبيقات التي تتيح لهن الوصول للمعلومات وأيضا إيصال المعلومات للسلطات المحلية من خلال ربطهم بمجموعات مشتركة عبر تطبيق الواتساب والتليجرام إضافة الى ذلك تم تدريبهن حول الأمن الرقمي وكيف يحمون هواتفهن من الاختراق.”